إن فضل كلام الله عز وجل على كلام خلقه كفضل الله سبحانه على خلقه وقد أكرم الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بمعجزات مادية وكونية فاقت جميع معجزات الأنبياء السابقين وهى أصدق في النقل وأبعد عن التأويل.
ورغم ذلك لم يجعل ربنا تبارك وتعالى هذه المعجزات المادية برهاناً على صحة الدين ولا أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بتبليغها لأتباعه ولم يكفّر منكرها بخلاف القرآن الكريم، لأن الله تعالى جعل نبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته قائمة على قواعد العلم والعقل في ثبوتها وفي موضوعها، فكان الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم وحياً أوحاه الله إليه، قال تعالى {يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس:58]
والقرآن الكريم -المعجزة الخالدة- التي لا يشبع منها العلماء ولا تزيغ بها الأهواء وهو الكتاب الذي لا يخلق على كثرة رد ولا تنقضي عجائبه، وجوانب الإعجاز فيه لا تحصى سواء في أسلوبه، تعبيره، تشريعه، فقهه أو قدرته على معالجة جوانب الحياة المختلفة على أكمل وجه.
القرآن الكريم يقرر حقائق علمية وكونية، يكتشف الناس على مدى الدهر قسماً منها وهو مبهر في وضعه لقواعد وأصول التربية وبيان وذكر أصول علم الإجتماع كما أنه معجز في معرفته بأدواء القلوب.
وللعلماء صولات وجولات ومحاولات لتدبر لمحات من إعجاز رسم الكلمات القرآنية، وقد قال العلامة الشيخ محمد العاقب الشنقيطي: والخط فيه معجز للناس، وحائد عن الإعجاز لا تهتدي لسره الفحول، ولا تحوم حوله العقول قد خصّه الله بتلك المنزلة، دون جميع الكتب المنزلة ليظهر الإعجاز في المرسوم منه كما في لفظه المنظوم.
وقبل الإبحار، يرد السؤال هل رسم المصحف هذا توقيفي من الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم؟ أي أُمر برسمه على هذه الصورة، أم أنه توقيفي عن الصحابة رضوان الله عليهم؟ وقد أختلف العلماء فى ذلك ولكنهم أجمعوا على حرمة تغيير هذا الرسم.
ولما جاء السؤال إلى مالك رحمه الله: هل نكتب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء؟ قال: لا إلا على الكتبة الأولى -رواه أبو عمر الدانى فى المقنع- ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة.
وقد سئل مالك أيضاً عن الحروف فى القرآن مثل الواو والألف أترى أن تغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ فقال لا.
وقال أبو عمر: يعنى الواو والألف فى أولوا الألباب وأولات والربوا ونحوه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: تحرم مخالفة خط مصحف عثمان فى ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك.
وقالوا عن رسم المصحف إن الصحابة رضوان الله عليهم قد أجمعوا جميعهم على هذا الرسم، ولم يكن ذلك منهم كيف اتفق بل على امر عندهم قد تحقق.
وأقل ما يقال فى ذلك المجال أن الأمر توقيفي عن الصحابة -12 صحابياً- رضوان الله عليهم، أجمعوا على ذلك الرسم وذلك على أقل تقدير، وهو بمثابة وحى من الله لهم لحفظ أعظم كتاب فى الوجود برسمه وحروفه.
وقد شاء الله تعالى أن يكون الرسم القرآني على غير الرسم في كتابات كانت معاصرة لكتابة القرآن الكريم -وبنفس أيدي كتبة الوحي- مثل أحايث النبي صلى الله عليه وسلم التي سجلها العلماء وحفظوها لنا وكذلك الرسائل للملوك والأمراء مثل المقوقس وملك الحبشة وغيرهم.
كتبة الوحى كتبوا في القرآن نفسه أسماء سور القرآن بالألف في عنوان السورة بطريقة مخالفة لرسمها القرآني التي كتبت جميعها بدون ألف في بداية وداخل السورة مثل الصافات والحجرات والمرسلات وغيرها.
وشاء الله تعالى ذلك الأمر ليظل شغل العلماء الشاغل والدائم، وهذا الإعجاز سيظل إلى يوم القيامة
ولنبدأ بذكر بعض اللمحات في هذا الإعجاز.
أولا: من الإعجاز أن ترسم الكلمة رسماً يجمع بين وجوه القراءات المختلفة وكأن هذا الرسم يؤلف بين هذه القراءات وبين ألسن العرب فالرسم القرآني من نقص حرف أو حذفه، هذا الرسم على هذه الصورة هو الذي قد حافظ على إستمرار هذه القراءات أيضاً قال تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ومن أمثلة ذلك، من سورة الواقعة قالى تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]، حمزة والكسائي {بموقع النجوم} ويقول الطبرى واختلفت القراء فى قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الكوفة {بموقع} على الإفراد وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين {بمواقع} على الجمع.
ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتب القراءات ومنها كتاب -معانى القراءات- لأبى منصور الأزهري وكتاب -الجلال والكمال فى رسم الكلمة فى القرآن الكريم- للدكتور سامح القليني.
الكاتب: تهاني الشروني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.